بيان السوبرماتية.. واقعية جديدة تهضم منجزات التكعيبية....
السوبرماتزم (Suprematism) حركة من حركات الفن التشكيلي أسسها في موسكو الفنان "كاسمير ماليفيتش" (878 ا-935 1) في العام 1913، واستمرت موجتها حتى عشرينيات القرن العشرين، ولكنها لم تختف قبل أن تضع أساس كل فنون التجريد الهندسية اللاحقة التي تدين لها بالكثير.
دافعت هذه الحركة عن فن تجريدي خالص أساسه عناصر الدائرة والمستطيل والمثلث البسيطة. وكان أول نتاج لها لوحة تمثل مربعا أسود كاملا على أرضية بيضاء. وانضم إليها عدد من الفنانين من أمثال رودشنكو ورزاندوف وليسلكي.
منابع هذه الحركة متعددة، فقد تمثل مؤسسها الفن الطليعي الذي كان شائعا في أوروبا الغربية آنذاك في العقد الذي سبق الحرب العالمية الأولى وأبرز قياداته: الانطباعية و التعكيبية، والمستقبلية. وأطلق بيانه الأول خلال آخر معرض للمستقبليين في بتروغراد في ديسمبر من العام 1915 تحت عنوان: "من التكعيبية إلى السوبرماتزم في الفن: نحو واقعية جديدة وإبداع خالص.. وتمت إعادة نشر هذا البيان بعد توسيعه في العام 1916. والترجمة الراهنة مأخوذة عن كتاب "مقالات ماليفتش في الفن، إعدادت أندرسون، كوبنهاجن، 1969.
لن نشهد عملا فنيا خالصا وحيا، إلا مع اختفاء عادة من عادات الفكر التي ترى في اللوحة زوايا الطبيعة الصغيرة مثل صور العذراء وتماثيل فينوس العادية.
لقد حولت نفسي إلى الشكل صفر، وسحبت نفسي من بركة الفن المدرسي المكتظة بالقمامة.
لقد دمرت حلقة الأفق وهربت من دائرة الأشياء، من الأفق الدائري الذي يقيد الفنان ويقيد أشكال الطبيعة.
هذه الحلقة اللعينة التي تتفتح عن إمكانيات جديدة مرة بعد مرة، فتأخذ الفنان بعيدا عن هدف التهديم.
الوعي الجبان فقط، والقوى الإبداعية الضئيلة لدى فنان هما اللذان ينخدعان بهذا التحايل، ويؤسسان فنهما على أشكال الطبيعة، واثقين من فقدان الأسس التي أقام عليها المتوحش والمدرسي فنهما. الفنانون الأغبياء والعاجزون فقط هم الذين يقومون بعملهم بإخلاص. في الفن هناك حاجة إلى الحقيقة لا الإخلاص.
تتلاشى الأشياء مثل دخان. ولاكتساب الثقافة الفنية الجديدة يقارب الفن الإبداع بوصفة غاية بحد ذاته وسطوة على أشكال الطبيعة.
فن المتوحش ومبادئه
المتوحش هو أول من أوجد مبدأ النزعة الطبيعية (مطابقة الطبيعة)، حين رسم اعتمادا على نقطة وخمسة أعواد صغيرة. لقد حاول إعادة إبداع صورته هو.
وأرست هذه المحاولة الأولى قاعدة المحاكاة الواعية لأشكال الطبيعة. ومن هنا ظهر هدف مقاربة سطح الطبيعة قدر المستطاع واتجهت كل جهود الفنانين نحو تمثيل أشكالها الإبداعية.
الفن الجماعي، أو فن النسخ، يمتلك أصله في السير إثر صورة المتوحش البدائية، الأولى. إنه فن جماعي لأن الإنسان الحقيقي ذا المنظومة السامية من المشاعر والحالات النفسية، والتشريح الجسدي لم يكن قد تم اكتشافه بعد.
لم ير المتوحش لا صورته الخارجية ولا وضعيته الداخلية. إن وعيه لا يستطيع إلا مشاهدة هيئة إنسان أو حيوان.. إلخ. ومع تطور وعيه نما المخطط الذي صور به الطبيعة وأصبح اكثر تعقيدا. فكلما احتضن وعيه الطبيعة اكثر، كلما تعقد عمله وازدادت معرفته و قدرته.
ولم يتطور وعيه إلا في جانب واحد، جانب إبداع الطبيعة، لا في جانب أشكال فن جديدة ولهذا لا يمكن أن تعتبر صوره البدائية عملا خلاقا.
إن التشويهات في صوره (الانحراف عن مطابقة الطبيعة) ليست سوى نتاج ضعف في الجانب التقني.
التقنية شأنها الوعي، لم تكن إلا على طريق تطورها. ولهذا لا يجب أن تعتبر لوحاته فنا.
لقد أشار مجرد إشارة نحو الطريق إلى الفن استتبع هذا أن المخطط الأصلي كان إطارا وضعت فيه الأجيال المتعاقبة مكتشفات جديدة للطبيعة مرة بعد مرة.
وتنامي المخطط نموا أشد تعقيدا وازدهر في العالم القديم وفق عصر النهضة.
وصور أساتذة هذين العالمين الإنسان في شكله الكامل، داخليا وخارجيا. لقد تم تجميع الإنسان والتعبير عن دواخله ولكن هؤلاء الأساتذة رغم قدراتهم الفائقة، لم يكملوا فكرة المتوحش انعكاس الطبيعة على قماش اللوحة كما لو أنها منعكسة في مرآة ومن الخطأ الاعتقاد بأن عصرهم كان اكثر عصور الفن ازدهارا، وأن الجيل الشاب يجب أن يسعى نحو هذا المثال بأي ثمن، مثل هذا المفهوم زائف، إنه يحرف القوى الشابة عن تيار الحياة الحديثة، وبهذا يربكهم. تطير أجسادهم في الطائرات، ولكن الفن والحياة تغطيهما أردية قديمة، تعود إلى العصور اليونانية والرومانية.
ولهذا هم لا يستطيعون رؤية الجمال الجديد لحياتنا الحديثة، لأنهم يحيون بجمال عصور الماضي.
ولهذا يبدو الواقعيون والانطباعيين والتعكيبيون والمستقبليون والسوبرماتيون غير مفهومين، فهم طرحوا عنهم أردية الماضي، وخرجوا إلى الحياة الحديثة للعثور على جمال جديد لا وأنا أقول:
إن أي غرفة تعذيب من غرف لأكاديميات لن تستطيع الصمود أمام تيار الزمن تتحرك الأشكال وتولد، ونتوصل إلى اكتشافات جديدة مرة بعد مرة. وما اكشفه لكم لا يخفى.
ومن العبث إكراه عصرنا وإدخاله في أشكال الزمن الماضي القديمة.
في نسخنا أو تتبعنا لعلائم أشكال طبيعة تجدنا نغذي وعينا بفهم زائف للفن.
لقد اعتبر عمل البدائيين عملا خلاقا والكلاسيكيات إبداع أيضا.
ولكن نقل الأشياء الواقعية إلى قماش اللوحات هو فن توليد ماهر لا أكثر.
وما بين فن الإبداع وفن النسخ فارق عظيم لا يستطيع الفنان أن يكون مبدعا إلا حين لا يكون ما شيء مشترك بين الأشكال في لوحته وبين الأشكال الطبيعية، لأن الفن هو قدرة على الإنشاء ليس على أساس العلاقة المتبادلة بين الأشكال والألوان، وليس على أسااس قاعدة جمالية، في التكوين، بل على أساس الثقل والسرعة واتجاه الحركة يجب أن تمنح الأشكال الحياة وحق
الوجود المستقل. إن أي فنان ملزم بأن يكون مبدعا حرا ليس سجينا حرا.
وكل فنان ما أعطي موهبة ليمنح الحياة حصته من الإبداع وأن يزيد من تدفق الحياة. في الإبداع وحده يكتسب المبدع حقه وهذا ممكن حين نحرر فننا من مادة الموضوع المبتذلة، ونعقم وعينا أن يرى كل شيء في الطبيعة، ليس كأشكال وأشياء واقعية، بل ككتل ملموسة يجب أن تصنع منها الأشكال التي لا يجمعها بالطبيعة جامع، وهكذا ستختفي عادة رؤية صور العذراء، وصور فينوس مع كيوبيد سمين وعابث.
اللون والنسيج في الرسم غايتان بحد ذاتهما، إنهما جوهر الرسم ولكن هذا الجوهر يدمره الموضوع دائما ولو اكتشف كبار فناني النهضة سطح لوحة، لكان هذا أعظم واكبر قيمة من أية صورة للعذراء أو جيوكندا. وان نحت أي شكل سداسي أو خماسي سيكون عملا نحتيا أعظم من تمثال فينوس دي ميلو أو تمثال داود.
الواقعيون الأكاديميون هم آخر المتحررين من صلب المتوحش إنهم من يتجولون مرتدين ثياب الماضي الرثة، بعضهم مثلما حدث سابقا، ألقى عنه هذا الرداء الدبق.
وصنعوا وجه تاجر الأسمال البالية الأكاديمي بإعلانهم الحركة المستقبلية. لقد بدءوا حركة تحرير جبارة بالدق على الوعي مثل مسامير في حائط صخري لانتشالكم من أقبية الموتى إلى سرعة زمننا.
إنا على يقين من أن كل من لم يسر في طريق المستقبلية كتعبير عن الحياة الحديثة محكوم عليه بالزحف إلى الأبد بين القيود العتيقة والتغذي على قشور الماضي.
جمال السرعة هو "الجديد" الذي فتحته المستقبلية في الحياة الحديثة وبالسرعة نتحرك حركة اكثر رشاقة ونحن الذين لم نكن سوى مستقبليين بالأمس وصلنا بوساطة السرعة إلى أشكال جديدة وعلاقات جديدة مع الطبيعة والأشياء. وصلنا إلى السوبرماتية تاركين المستقبلية منفذا سيعبر منه أولئك الذين تخلفوا.
هجرنا المستقبلية، ونحن الأكثر جرأة، بصقنا على محراب فنها.
ولكن هل يستطيع الجبناء البصق على أصنامهم! مثلما فعلنا بالأمس!.
أقول لكم إنكم لن تروا الجمال الجديد والحقيقة حتى تصمموا على أن تبصقوا.
لم نرفض المستقبلية لأنها ضعفت. واقتربت نهايتها.. لا.. جمال السرعة الذي اكتشفته خالد، وسيظل الجديد يتكشف للكثيرين، ونحن نجري خلال سرعة المستقبلية نحو هدفنا، يتحرك الفكر بسرعة اكبر، ومن يجد نفسه في المستقبلية يكون أقرب إلى هذا الهدف وأبعد عن الماضي. افتقادكم إلى الفهم طبيعي تماما. فكيف لإنسان يركب عربة يجرها حصان واحد أن يفهم تجارب وانطباعات شخص يسافر في قطار سريع أو يطير في الفضاء؟
الأكاديمية مدفن متعفن يجلد فيها الفن نفسه. حروب كبرى واختراعات عظيمة، وفتح الفضاء وسرعة السفر والهواتف والبرقيات، والمدرعات، وعالم الكهرباء. ولكن فنانينا الشباب يرسمون تماثيل نيرون ومحاربين رومان نصف عراة.
كل المجد للمستقبليين الذين حظروا رسم الأفخاذ الأنثوية وصور الشخصيات والقيثارات في ضوء القمر.
لقد اتخذوا خطوة هائلة إلى الأمام، وتخلصوا من اللحم، ومجدوا الآلة. ولكن اللحم والآلة هما عضلتا الحياة. كلاهما جسم تتحرك فيه الحياة.
حتى الآن ما يلاحقه الفنان دائما هو الموضوع- الشيء ولهذا فإن المستقبلية الجديدة تلاحق الآلة بسرعتها الحالية كلا الأمرين نوع من الفن القديم والجديد. المستقبلية وراء الأشكال الهاربة.
ويثار السؤال هل سيبرر هدف الرسم هذا وجوده؟ لا!
لأن في ملاحقة شكل الطائرات أو السيارات سنظل نتوقع دائما أن تطرح الحياة التقنية عنها أشكالا جديدة.
في ملاحقة شكل الأشياء لا نستطيع اكتشاف الرسم كفاية بحد ذاته، الطريق إلى إبداع مباشر.
سيظل الرسم وسيلة لتوليد هذا أو ذاك من أشكال شروط الحياة. إلا أن المستقبليين حظروا نقل العري ليس من أجل منح الحرية للرسم أو الكلمات، لتكون الحرية غاية بحد ذاتها ولكن بسبب التغير في جانب الحياة التقني. حياة الحديد والآلة الجديدة وهدير السيارات وبريق الأضواء الكهربائية وهدير مراوح الطائرات.
فاعلية الحركة وجهت الفكر نحو إنتاج فاعلية الرسم التشكيلي. ولكن جمود المستقبليين لإنتاج فن تشكيلي خالص مثل هذا لم تتوج بالنجاح.
فهم لم يتخلوا عن مادة الموضوع، أي ما كان سيجعل مهمتهم أسهل. حين أبعدوا الفكر نصف إبعاد عن اللوحة (حارس العادة القديم الذي يرى كل شيء بشكل طبيعي) استطاعوا رسم لوحة الحياة الجديدة والأشياء الجديدة، ولكن هذا هو ما فعلوا فقط.
تتلاشى كلية الأشياء في نقل الحركة ورسمها، حيث تختبئ جسيماتها اللامعة نفسها بين الأجسام الهاربة الأخرى.
وفي إنشائهم لأجزاء الأشياء الهاربة حاولوا نقل انطباع الحركة فقط ولكن لينقل المرء حركة الحياة الحديثة عليه أن يتعامل مع أشكالها.
وهو ما جعل وصول الرسم إلى هدفه أشد صعوبة. ولكن مهما كانت طريقة القيام بهذا، بوعي أو بلا وعي، ومن أجل الحركة، أو من أجل تصوير الانطباعات، فقد تم انتهاك كلية الأشياء.
وفي هذا الانتهاك والتحطيم للكلية يكمن المعنى الخفي الذي أخفاه غرض رسام الطبيعي. الغرض الذي يباطن هذا الهدم لم يكن أساسا تصوير حركة الأشياء بل انهدامها في سبيل الوصول إلى جوهر الرسم الخالص، أي نحو مقاربة إبداع غير موضوعي- بطرح الفكر جانبا، لجأ المستقبليون إلى الحدس بوصفه ما تحت الوعي. إلا أنهم أبدعوا لوحاتهم باستخدام أشكال الفكر النفعي وليس الأشكال أللا واعية للحدس.
الحدسي يجب أن يكشف عن نفسه بالنسبة لي في أشكال لا واعية ومن دون استجابة.
وأعتقد أنه كان من الضروري فهم الحدسي في الفن بوصفه غرض شعورنا الانتقائي تجاه الأشياء، وهو يتبع مسارا واعيا خالصا يشق طريقه بحدة خلال الفنان.
الأمر يبدو كما لو أن مستويين من الوعي يحتربان. ولكن الوعي المعتاد على تدريب الفكر النفعي لا يتسق مع الإحساس الذي يقود إلى هدم عالم الأشياء، لم يفهم الفنان هذا الهدف، وباستلامه لهذا ا لإحساس خان الفكر وشوه الشكل.
الإبداع بوساطة الفكر النفعي ذو غرض محدد. ولكن الإبداع الحدسي ليس له غرض نفعي وليس لدينا حتى الآن مثل هذا التجلي للحدس في الفن.
في الفن كل الصور تنبثق من أشكال إبداعية لنظام نفعي. كل صور الطبيعيين تمتلك الشكل الموجود في الطبيعة ذاته
على الشكل الحدسي أن ينبثق من لا شيء- بالطريقة نفسها التي يبدع فيها الفكر أشياء للحياة اليومية بأخذها من لا شيء ويصنع اكتمالها.
على الفنان أن يعرف الآن أية أشياء تظهر في صوره وكيف عاش الفنان سابقا بمزاجية من نوع معين. إنه ينتظر ظهور القمر والغسق ويضع ظلالا خضراء على مصابيحه، وكل هذا يوجد تناغما في مزاجه مثل آلة كمان. ولكن حين يسأل لماذا هذا السطح معوج أو أخضر لا يستطيع إعطاء جواب محدد.
"أنا أريده كذلك، أنا أحبه هكذا".. وفي النهاية تنسب هذه الرغبة إلى الإرادة الحدسية. وتبعا لذلك لا ينطلق الشعور الحدسي بوضوح. وفي هذه الحالة لم يكن شرطه ما تحت الوعي فقط، بل لا وعيا تاما. الرسم كان اشتباكا مع هذه المفاهيم. كانت الصورة نصف واقعية نصف مشوهة!.
ولأنني رسام علي أن أقول لماذا وجوه الناس في اللوحات ذات لون أحمر أو أخضر. تقع الصورة رسما وتكوينا في مجال جهازنا العضوي. إن تفجرها عظيم وملح. إنها تلون نظامي العصبي ويشتعل دماغي بألوانها. ولأن اللون كان مكبوتا من قبل الحس المشترك. مستعبد له. وروحه تضعف وتموت. إلا أنه حين يتغلب على الحس المشترك، تتدفق الألوان في قلب الشكل الكريه للأشياء الواقعية.
تنضج الألوان ولكن شكلها لا ينضج في الوعي.
الرسم المستقبلي يعتبر المستقبليون فاعلية الشكل الثلاثي الأبعاد ذات أهمية أولية في الرسم.
ولكن في فشلهم في تحطيم عالم الأشياء لم يحققوا سوى فاعلية الأشياء ولهذا يمكن اختزال لوحات المستقبليين وبقية مشاريعهم من عشرين لونا إلى لون واحد، ومع ذلك لا تفقد الانطباع الذي تخلقه.
لوحة "إيفان الرهيب " لريبين يمكن أن تخلو من اللون، وتظل مع ذلك تمنحنا انطباعات الرعب نفسها كما مع اللون سيظل الموضوع يقتل اللون ولن نلاحظه، ثم يصبح اللون ملحوظا اكثر حين تقتل الوجوه الملونة بالأخضر والأحمر الموضوع إلى حد معين. اللون هو ما تحيا به اللوحة. وهو ما يعني أنه الأكثر أهمية. وهنا أصل إلى أشكال لونية خالصة.
السوبرماتية هي فن الرسم الخاص. الفن الذي لا يمكن أن تختزل استقلاليته إلى لون واحد.
يمكن تصوير عدو حصان بقلم ذي لون واحد. ولكن من المحال تصوير حركة كتل حمراء وخضراء أو زرقاء بقلم. علىالرسامين التخلي عن الموضوع والأشياء إذا أرادوا أن يكونوا رسامين خالصين.
مطلب فاعلية الرسم التشكيلي يشير إلى الحاجة إلى الكتلة في الرسم لتنبثق من الموضوع، وتصل إلى هيمنة الشكل كغاية بحد ذاته على المحتوى والأشياء، ويشير إلى الحاجة إلى السوبرماتية أللا موضوعية، والى واقعية جديدة في الفن، إلى إبداع مطلق. المستقبلية تقارب فاعلية اللوحة عبر نزعة الشكل المدرسية. وطريق كلا القوتين يقود إلى السوبرماتية، في الرسم إذا فحصنا الفن التكعيبي وسألنا أية طاقة في الموضوعات تلك التي تشير إلى فعالية الشعور الحدسي، سنجد أن الطاقة كانت ثانوية في الرسم.
واعتقد التكعيبيون أيضا أن ا لموضوع ذاته مع جوهره أو غرضه أو معناه أو تقديمه كاملا ليس ضروريا.
حتى الآن ما بدا أن جمال الموضوعات تم الحفاظ عليه بنقلها جملة إلى اللوحات، وأن جوهرها ينكشف في فجاحة الخط أو تبسيطها بخاصة. ولكن أصبح معروفا أن وضعية إضافية من أوضاع الموضوعات تم اكتشافها، وهو ما يكشف لنا عن الجمال الجديد.
أعني:
إن الشعور الحدسي اكتشف الطاقة في الموضوعات نتيجة التنافر الحاصل من تصادم شكلين متعارضين تجسد الموضوعات كتلة من اللحظات في الزمن. أشكالا متنوعة، وتصويرها متنوع تبعا لذلك. وتصبح كل جوانب الزمن هذه في الأشياء وتشويهها (حلقات جذع شجرة) مهمة اكثر من جوهرها ومعناها.
لقد تبنى التكعيبيون هذه الأوضاع الجديدة كوسائل لإنشاء اللوحات. وكانت هذه الوسائل في الوقت نفسه مكتملة في بنيتها تماما. بحيث سيوفر التصادم من اللا متوقع لشكلين تنافرا ذا قوة توتر عظمى.
إن ميزان كل شكل اعتباطي. وهو ما يبرر ظهور أجزاء موضوع واقعي في أوضاع لا تمت للطبيعة بصلة ولتحقيق هذا المجال الجديد أو الطاقة بكل بساطة، حررنا أنفسنا من انطباع كلية الأشياء وبدأ حجر الرحى حول عنق الرسم بالتصدع. إن أي موضع يرسم وفق مبدأ التعكيبية يمكن أن يعتبر منتهيا حين تستنفد تنافراته. ومع ذلك، يجب أن يحذف الفنان كل الأشكال التي تكرر نفسها بوصفها نسخا ولكن إذا وجد الفنان توترا ضئيلا، في اللوحة فله الحرية الكاملة في أن يأخذه من موضوع آخر. وينتج عن ذلك، أن التعكيبية تسقط مبدأ نقل الأشياء (تصويرها). يتم رسم اللوحة ولكن لا ينقل الموضوع.
من هنا هذه النتيجة إذا كان الفنان طيلة آلاف السنوات الماضية قد حاول مقاربة تصوير موضوع تصويرا وثيقا بقدر الإمكان،
ليستطيع تقديم جوهره ومعناه، فإن الفنان الحديث في عصر التكعيبية دمر الموضوعات ومعانيها معا، الجوهر والغرض، وبرزت اللوحة الجديدة من شظاياهما. واضمحلت الموضوعات مثل دخان في سبيل ثقافة الفن الجديد.
لم يعد هناك المزيد من الحب للزوايا الصغيرة، ولا المزيد من الحب الذي تخاف من أجله حقيقة الفن. المربع ليس شكلا مصدره ما دون الوعي إنه إبداع الفكر الحدسي. إنه وجه الفن الجديد المربع طفل ملكي حي. الخطوة الأولى للإبداع الخالص في الفن. قبله كانت هناك تشويهات ساذجة ونسخ عن الطبيعة. عالمنا الفني يصبح جديدا، لا موضوعيا، خالصا. يتلاشى كل شيء، وتبقى كتلة مادة ستبنى منها الأشكال الجديدة. في السوبرماتية ستحيا الأشكال مثل كل أشكال الطبيعة الحية. هذه الأشكال تعلن أن الإنسان حظي بتوازنه بوصوله من حالة تفكير مفرد إلى حالة تفكير مزدوج التفكير النفعي والتفكير الحدسي الواقعية الجديدة في الرسم هي الأكثر واقعية في الرسم لأنها لا تحتوي على واقعية، الجبال والسماء والمياه. حتى الآن كانت هناك واقعية، الموضوعات، وليس وحدات لون مرسومة، بنيت بحيث لا تعتمد لا على الشكل ولا على اللون ولا على موقعها بالنسبة لبعضها البعض.
كل شكل حر وفردي. كل شكل عالم. أي سطح مرسوم هو اكثر حياة من أي سطح تنتأ منه عينان أو ابتسامة إن سطحا مرسوما في لوحة يحاكي الحياة محاكاة ضئيلة، وهذا التلميح ليس إلا تذكرة بما هي حي. ولكن كل شكل يحيا ويولد.
الفن وأهدافه الجديدة كان دائما مبصقة. ولكن القطط تنشأ معتادة على مكان، ومن الصعب تعويدها على مكان جديد.
لدى هؤلاء الناس الفن غير ضروري إطلاقا ما دام أن هناك صور جداتهم وزواياهم الصغيرة المفضلة من أجمات الليلك كل شيء يجري من الماضي إلى المستقبل، إلا أن على كل شيء أن يحيا بالحاضر، لأن أشجار التفاح ستطرح براعمها في المستقبل، سيمسح الغد أثار الحاضر، ولن تستطيعوا اللحاق بمسيرة الحياة سيرميكم مستنقع الماضي، مثل حجر الرحى، في الحمأة. وها هو الذي يجعلني اكره كل الذين يوفرون لكم أنصاب الموتى التذكارية. الأكاديمية والنقاد هما حجر الرحى هذه حول أعناقكم الواقعية، القديمة، الحركة التي تسعى جاهدة إلى توليد طبيعة حية.
إنهم يتصرفون بالطريقة نفسها كما في أزمنة محاكم التفتيش. أهدافهم مضحكة، لأنهم يريدون إجبار ما يأخذونه من الطبيعية على الحياة فوق قماش اللوحات بأي ثمن. وفي الوقت نفسه، وبينما كل شيء يجري ويلهث، هناك وقفاتهم الجامدة في اللوحات. وهذا التعذيب أسوأ من خلع الأعضاء على عجلة التعذيب.
التماثيل المنحوتة، المهمة (وهو ما يعني أنها حية) تقف في طرقاتهم في وضعية حركة، أليس هذا تعذيبا؟
وضع الروح في الرخام ثم السخرية مما هو حي. إلا إنما مصدر زهوكم هو فنان يعرف كيف يعذب. أنتم تضعون طيورا في قفص من أجل المتعة أيضا. من أجل المعرفة تحتفظون بالحيوانات في حدائق الحيوان إنني محظوظ لأنني حطمت غرفة تعذيب محاكم التفتيش التي هي النزعة الأكاديمية. لقد وصلت إلى السطح و أستطيع إزالة البعد من جسد حي إلا إنني سأستخدم البعد الذي سأبدع منه بعدا جديدا.
لقد أطلقت كل الطيور من القفص الأبدي، وفتحت البوابات أمام ا لحيوانات في حدائق الحيوان.
إن جماعة الحركة السوبرماتية:
ك. ماليفتبش وأ. بوني، وم. مفيكوف، وأ كليون، وك. بو جوسلا فسكا يا، وروزا نوفا، تقود النضال من أجل تحرير الموضوعات من إلزامات الفن. وتناشد الأكاديمية التوقف عن التفتيش في الطبيعة- أداة التعذيب هي النزعة المثالية ومطالب الشعور الجمالي. النزعة إلى جعل شكل الإنسان مثاليا أماته لجزء كبير من العصب الحي. النزعة الجمالية نفاية الشعور الحدسي. أنتم تريدون رؤية قطع من الطبيعة الحية معلقة بالكلاليب، على جدرانكم. تماما مثلما أعجب نيرون بأجساد الناس والحيوانات الممزقة فى حديقة الحيوان.
أقول للجميع: ارفضوا الحب، ارفضوا النزعة الجمالية، ارفضوا حقائب الحكمة، لأن حكمتكم في الثقافة الجديدة مضحكة وبلا معنى.
لقد فككت عقد الحكمة، وأطلقت الوعي باللون حرا أزيلوا عن أنفسهم بسرعة جلد القرون المتصلب حتى تتمكنوا من اللحاق بنا بسهولة. لقد تغلبت على المستحيل وشكلت بأنفاسي دوامات. أنتم في شباك الأفق مثل أسماك، نحن السوبرماتيون نفتح لكم الطريق. هيا أسرعوا، لأنكم لن تتعرفوا عليها.. غدا.
Bookmarks